المادة    
إذا وصلنا إلى ما يتعلق بمدينة الله فهنا أيضاً نأتي إلى قضية أخرى مهمة جداً في هذا الموضوع: أين هي مدينة الله؟ وكيف تكون؟
ثلاثة اتجاهات ممكن أيضاً أن نصنفها في هذا الباب:
الاتجاه الفكري المادي يرفض هذه كلها على أية حال, فلا داعي للخوض في التفاصيل فيه, كل ذلك نبوءات وخيالات كما أشرنا.
الفكر اليهودي حرف كل ما يتعلق بمدينة الله وموقعها ومكانتها وما تكون؛ إلى أنها هي القدس , هي أورشليم -كما يسمونها- هي جبل بيت صهيون, هي بيت الله, هي مدينة داود, إلى آخر هذه المترادفات والمصطلحات، على أن السامرة منهم -فرقة من اليهود لها تأويل آخر- يقولون: إنه جبل جوزريم شمال نابلس ؛ لكن عامة اليهود يعتقدون أن هذه الصفات جميعاً تنطبق على الملك اليهودي الذي يأتي في آخر الزمان، وهذا الملك اليهودي يكون مقر وقاعدة ملكه هي أورشليم مدينتهم, التي هي مدينة داود عليه السلام.
جاء الفكر النصراني ووقع في نفس المأزق؛ هل يقر هذا التفسير الحرفي المادي أو يحرف؟
فكثير منهم أو فلنقل: طائفة منهم أقرت ما قاله هؤلاء اليهود , وآمنت به على ظاهره، وهناك طائفة أخرى قالوا: لا.. هناك دلالات واضحة ونصوص صريحة بأن هذه المدينة لن تكون القدس, وأن قبلة الصلاة لن تكون القدس ولن تكون أورشليم! إذاً أين هي؟
هنا نأتي للتأويل الذي يتعامى عن الحق وعن الحقيقة والبراهين الواقعية والجلية، فقالوا: إن هذه المدينة هي أيضاً رمزية! وهي مدينة روحانية, وهي عبارة عن السماء الجديدة, والأرض الجديدة, والملك الجديد الذي يأتي في آخر الزمان، وهذا مجد وبهاء يكون للمسيح عليه السلام, وإذا جاء في آخر الزمان تأتي معه الملائكة, وهذه المدينة مدينة سماوية، ويؤولون ما ورد في صفة أبوابها وفي بنائها، وفي الأخبار المتعلقة بمن يطوفون حولها, ومن يذبحون حولها, ومن يقربون القرابين عندها, ومن يخدمونها، وكيف أنها تحلى بالذهب والفضة وكيف وكيف, -إن شاء الله أمور كثيرة جداً نأتي عليها بالتفصيل- فالنصوص الصريحة التي تدل على أن هذه المدينة أو هذا البلد أو هذا البيت -بيت الله ومدينة الله- أنها مكان حقيقي في هذه الأرض، وموجود وتنطبق عليه كل هذه الصفات من غير اختلاف؛ كل ذلك يؤولونه على أنه معنى روحاني ومعنى سماوي، معنى لن تُعرف حقيقته إلا في آخر الزمان, إذا ظهر المسيح وآمن الناس به ورأوا المجد والملكوت الروحاني العجيب! الذي ربما يعجزون عن فهمه أو عن استيعابه! فهذا انحراف في تأويل هذه النبوءات عن مدينة الله تبارك وتعالى.